ادعمنا

القوة الناعمة - Soft Power

مفهوم القوة وأنواعها وتطورها

يعد مفهوم القوة من المفاهيم الأساسية في علم السياسية  فلا يختلف الباحثين والمهتمين بالعلاقات الدولية على أنَّ القوة هي الحاكم الأساسي للعلاقات بين الدول ويختلف تعريف القوة بين الباحثين نظراً للطبيعة المركبة  للمفهوم. فيمكن تعريف القوة على أنَّها القدرة على التاثير فى سلوك الأخرين للحصول على النتائج المرغوب فيها أو القدرة على فرض السيطرة على الآخرين. إلَّا أنَّ جوهر المفهوم كما ذكره كارل فريدريك - Carl Friedrich Gauss هو إنشاء علاقة تبعية بين طرفين يستطيع من خلاله الطرف الأول أن يجعل الطـرف الثاني يفعل ما يريد أي التصرف بطريقة تضيف إلى مصالح مالك القوة . وقد عرَّف اوستن ربيني القوة ايضاٌ على أنَّه علاقة التبعيئة والطاعة من جانب وعلاقة السلطة والسيطرة من الجانب الآخرى.  وذلك بالإقناع والمكافأة أو بالعنف والآكراه فإذا فشل الإقناع  نستخدم المكافأة وإذا لم ينجح ذلك، غالباٌ ما نستخدم القوة العنيفة.  

وتُعتبر قوة الدولة من العوامل التي يعلق عليها أهمية خاصة في ميدان العلاقات الدولية، وذلك بالنظر إلى أنَّ هذه القوة هي التي ترسم أبعاد الدور الذي تقوم به الدولة في المجتمع الدولي وتحدد إطار علاقاتها بالقوى الخارجية في البيئة الدولية وأنَّ امتلاك عناصر القوة لا يكفي حتى تكون الدولة مؤثرة، فلابد من تبني سياسات فعَّالة لاستخدام القوة. 

وعند دراسة القوة في العلاقات الدولية بالمعنى التقليدي فإنَّنا نأخذ في الاعتبار الدور الذي لعبته القوة أو التهديد باستخدام القوة في النظام الدولي أي قدرة بعض الوحدات السياسية على استخدام أو التهديد باستخدام  القوة المسلحة لفرض إرادتهم على وحدات أُخرى. سواء لإجبارهم على القيام ببعض  الأشياء أو منع الآخرين من القيام به  . ولكن هذا المفهوم تطور بعد الحرب العالمية الأولى نظراٌ لما تعرض له العالم من أضرار بالغة كنتيجة لهذا الحرب فاصبح دور القوة العسكرية أو التهديد باستخدمها في العلاقات بين الدول ضئيلاً جداً مقارنةً بالقوة الاقتصادية التي أصبحت هي المعيار الأساسي للعلاقات بين الدول وذلك في ضوء الصراع القائم بين الرأسمالية والإشتراكية ومحاولة كل طرف استمالة عدد من الدول إليها باستخدام القوة الآقتصادية إلَّا أنَّ بعض سقوط حائط برلين وتحول العالم إلى أحادي القطبية وإنتشار العولمة ظهر نوعاً أخر من القوة للتاثير في العلاقات الدولية وهو القوة الناعمة والتي تعنى القدرة على تشكيل تفضيلات الآخرين فإذا فرضنا أن هناك علاقة بين طرفين فأنَّ الطرف الأول يستطيع أن يؤثر في الطرف الثاني عن طريق توجيه سلوكها ويتم هذا بالأنجذاب إلى ثقافة وقيم الطرف الاخرى وليس عن طريق الرشوى أو التهديد أو الإرغام  .  وكان أول ما صاغ هذا المصطلح هو جوزيف ناي - Joseph Nye في التسعينيات من القرن الماضي. وقد تتطور هذا المفهوم لكي يشمل على القوة الذكية وهى تعتبر مزيج من استخدام كل من القوة الصلبة والناعمة معاً فى العلاقات بين الدول ومن هذا المنطلق يمكن لنا توضيح الأبعاد الثلاثية للقوة كما حددها جوزيف ناى في كتابه القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسية الدولية فهي تشبه رقعة الشطرنج فالرقعة العليا عليها القضايا العسكرية التقليدية أما الرقعة الوسطى فهي خاص بالقضايا الاقتصادية بين الدول فيما كانت الرقعة السلفى خاصة بالقضايا الانتقالية مثل الارهاب والجرائم الدولية وتغير المناخ وانتشار الأمراض. 

 

تطور مفهوم القوة الناعمة ومواردها 

يعتبر جوزيف ناى أول من صاغ مفهوم القوة الناعمة في صورة نظرية مقنعة ومحكمة البناء ولكن قبل أن يعلن ناى عن نظريته ظهرت القوة الناعمة عبر التاريخ الانسانى في العصر القديم من خلال كتابات الفلاسفة أمثال كونفيشيوس - Confucius وسقراط - Socrates أو من خلال انجذاب الناس إلى الاديان كدعوة النبى محمد فقد دخل الكثير الدين الإسلامي من خلال قوة الاقناع والتاثير التي مارسته عليهم الدعوة الاسلامية. 

الإ أنَّ أول ظهور للنظرية كان في القرن العشرين عبر الفليسوف والمفكر الايطالى أنطونيو غرامشي - Antonio Gramsci في نظريته الهيمنة الثقافية في مؤلفه المهم رسائل السجن فقد أوضح أنَّ الهيمنة الراسمالية تكون من خلال مؤسسات كالمدرسة والكنيسة والجرائد والتي تخلق صورة جيدة لدى العامة عن النخبة الراسمالية بهدف السيطرة على عقول هولاء وضمان عدم خروجهم عن سياق المجتمع الراسمالي وقد كانت فرنسا أول من استخدم هذا المفهوم من خلال التأثير الثقافى على شعوب مستعمراتها عن طريق التعليم الذى هدف الى خلق صورة جيدة عن المجتمع الفرنسى في تلك المستعمرات ونشر لغتها في تلك المستعمرات . وقد روجت أيضاً كل من بريطانيا وأمريكا إلى مبادئ تتماشى من طبيعية نظامها الاقتصادي لكي تخدم مصالحها فاليبرالية والديمقراطية تتماشى إلى حد كبير مع الراسمالية وحرية التجارة فقد حول الرئيس وودرو ويلسون - Woodrow Wilson استخدام القوة الناعمة في مبادئها التي ترتكز على السلم وإعادة  بناء أوروبا من جديد بعد الحرب العالمية الأولى إلا أنَّ هذا لم يحول دون قيام الحرب العالمية الثانية . 

وقد كانت المحاولة الحقيقة بعد الحرب العالمية الثانية لاستخدام القوة الناعمة من خلال برنامج فولبرايت - Fulbright Program للتبادل الطلابى حول العالم عام 1946 كوسيلة للتاثير في الثقافات والهيمنة على عقول المجتمعات الأخر وقد تم استخدام القوة الناعمة بشكل كبير في أثناء الصراع الايدلوجي بين المعكسرين الإشتراكي والرأسمالي وميل كل من هم في التأثير على عقول وميول الأخر فيشير جوزيف ناي إلى أنَّه قد تم اختراقها بالافلام والمسلسلات الامريكية قبل اختراقها من قبل المطارق والجرفات مما يدل على استخدام القوة الناعمة بشكل كبير في الصراع الأيدلوجي بين الطرفين . 

وبعد سقوط الاتحاد السوفيتى ظهرت نظرية القوة الناعمة على يد جوزيف ناي وتم استخدامها من قبل امريكا كثيراً بعد سقوط الاتحاد السوفيتى للتاكيد على النظام احادية القطبية ونشر قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتخلص من الأنظمة الفاشية إلى الحرب الامريكية على العراق عام 2003 التى اعادت مفهوم القوة الناعمة للاستخدام بكثرة في العلاقات الدولية وقد جاء ضمن هذا الاستخدام وثيقة الشرق الأوسط الكبير والتي قدمتها الولايات المتحددة الأمريكية إلى مجموعة الدول الثمانية الكبيرة عام 2004 فكان الهدف الظاهر منها تمكين المرأة والتحول إلى المجتمع المعرفي بالوطن العربى إلَّا أنَّ الهدف الخفي هو السيطرة على العقول والهيمنة على الوطن العربى لكي يسيرعلى النمط الغربى ويتم تفكيها وفى هذا السياق تعبر ثورات الربيع العربى من ضمن استخدمات القوة الناعمة التي استطاع من خلالها مجموعة داخل مجتمع ما السيطرة على الشعب وتوجيهم من خلال الاقناع بفساد تلك الانظمة واستخدام الاعلام والتكنولوجيا في ممارسة ضغط أدَّى إلى سقوط تلك الأنظمة بدون تتدخل عسكرى مباشر وتتطور مفهوم القوة في الآونة الأخيرة ليشمل على القوة الذكية والتي يعرفها ارنسنت ويسلون - Ernest Henry Wilson بأنَّها قدرة الفاعل الدولي على مزج عناصر القوة الصلبة والقوة الناعمة بطريقة تضمن تدعيم تحقيق الأهداف لهذا الفاعل بكفاءة وفعالية. 

وعندما نلقي الضوءعلى أهم المفكرين الذين عرفها القوة الناعمة نجد تعريف ميشيل فوكو - Michel Foucault الذى يعتبر أنَّ القوة الناعمة هي إجباراً وإلزاماً غير مباشرين وسجال عقلي وقيمي يهدف إلى التأثير على الرأي العام  في داخل الدولة وخارجها وطبقاً لهذا التعريف فإنَّ القوة الناعمة تكون موجهه للداخل والخارج وليس للخارج فقط ويكون الهدف الأساس له التأثير بهدف السيطرة التي تخلق الزاماً غير مباشراً إما زانج فقد جمع بين الوسائل الحضارية والاقتصادية والدعائية التي تهدف الى التأثير والاقناع  وبالتالى نرى أنَّ ارنسنت ويلسون اتفق مع ميشيل فوكو في أنَّ القوة الناعمة هي التاثير بالرأي العام .وهو ما اتفق عليه أيضا جوزيف ناى.  ولكن ناى استبعد الوسائل الاقتصادية كأحد صور القوة الناعمة في التأثير وقد اكدت التعريفات الثلاثة أن القوة الناعمة تاثير ولكن بوسائل غير عنيفة للسيطرة والهيمنة على العقول.

المصادر والمراجع:

حسام الدين ، القوة الناعمة والدور في العلاقات الدولية ، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية،2013 

كريم أبو حلاوة ، سياسيات القوة الذكية ودورها في العلاقات الدولية ، مركزدمشق للإبحاث والدرسات ، 2016 

حامد بن عبد العزيز ، أثر القوة في العلاقات الدولية رسالة ماجيستير، كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية،جامعة الخرطوم ،2006 

محمد عبد السلام ، كيف يمكن التأثير في سلوك الفاعلين الدوليين؟ ، السياسية الدولية ، العدد الثامن والثمانون ابريل 2012 

ريهام مقبل ، عناصر وأشكال القوة في العلاقات الدولية ، السياسية الدولية ، العدد الثامن والثمانون ابريل 2012 

جوزيف ناى ، ملزمون بالقيادة الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية ، نيويورك دار نشر بيسك بوكس 1990 ) كان هذا اول اشارة لمفهوم القوة الناعمة في العلاقات الدولية بالمعنى الصريح . 

جودت هوشيار ، الجذور التأريخية لنظرية القوة الناعمة، منظمة صوت العقل

غرامشى أ ، رسائل السجن ( سعيد بو كرامى مترجم ، طوى للثقافة والنشر والاعلام لندن 2014 ، 

حسن على بحيرى ، القوة الناعمة ، القاهرة المركز الدولى للدرسات الاستراتيجية والمستقبلية 

 هشام عزيزات ، من مبادئ ويلسون الـ «14» إلى مبادئ عبدالله الثاني الـ «7»..القول الفصل ، موقع الراى

الاستراتيجية الامريكية في المنطقة مشروع الشرق الاوسط الكبير ، 2004 ، مركز الكاشف للدراسات الاستراتيجية

باسم عبدو ، القوة الناعمة والقوة الصلبة ، جريدة النور العدد 716

مسفر بن ظافر ، إستراتيجية توظيف القوة الناعمة لتعضيد القوة الصلبة في إدارة الأزمة الإرهابية في المملكة العربية السعودية ، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ، الرياض 2010

Thomas G. Mahnken and Joseph A. Maiolo ، Strategic Studies areader ، Taylor & Francis e-Librar، 2008

  Joseph s Nye ، soft power the means to success in world politics   ، public affairs amember of the perseus books group  ، 2002

Ernest J. Wilson, ، Hard Power, Soft Pow, Smart Power ، Annals of the American Academy of Political and Social Science 

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia